كتاب «الفتاوى المجموعة من فتاوى الإمام تاج الدين الفركاح
(ت 690هـ)، وأجوبة معاصريه».
درةٌ عظيمة، وقلادة ثمينة تقف شامخة بين كتب المذهب على العموم، وكتب الفتاوى على الخصوص، يدرك ذلك كل من طالعها وأدام النظر فيها، ولما لا؛ وقد حوت نصوصًا نفيسة، وفتاوى قويمة لأعلام القرنين السادس والسابع، ومع مرور الأيام وتعاقب الزمان، لا زلنا ننهل من معينهم، ونستظل بظلهم.
إنَّ منصبَ «الفتوى» منصبٌ جليلٌ في دينِنا العظيم، لا يناله إلا أفذاذ متفردون، هجرو اللذات، وفارقوا الراحة في الجهر والخلوات؛ سعيًا في طلب العلم، وتحصيله وتكراره مرات ومرات، يحضرون مجالس العلماء، ويكبون على مطالعة مصنفاتهم المباركة.
ومن هؤلاء الكبار: الإمام، العلامة، مفتي الإسلام، فقيه الشام، تاج الدين، أبي محمد، عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن ضِيَاء بن سِبَاع الْفَزارِيّ، البدري، المصري الأصل، الدمشقي، الْمَعْرُوف بالفركاح.
كان لتاج الدين الفزاري رحمه الله مكانة علمية بين علماء عصره، حيث برع في المذهب في شاب، وجلس للاشتغال به وتدريسه، وتعليمه، وله بضع وعشرون سنة، وكتب الفتاوى وقد كمل الثلاثين، وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار، وإذا سافر إلى القدس يتسابق أهل البر لضيافته، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يسميه «الدويك»؛ لحسن بحثه، وقد بلع رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي في الشام حتى لقب بفقيه الشام، وشيخ الشافعية في الشام، وقد درس بعدة مدارس بالشام؛ فقد أعاد بالناصرية أول ما فتحت، ودرس في المجاهدية ثم تركها، ودرس بالشومانية، والنورية، ثم درس بالبادرائية، إلى أن توفي رحمه الله تعالى.